مرتكزات الحياة المدرسية
تتميز الحياة المدرسية - حسب الميثاق الوطني للتربية والتكوين- بأنها مدرسة سعيدة منفتحة على المحيط المجتمعي، تساهم في ترقية المتعلم ذهنيا ونفسيا وعضويا وحركيا، وتجعل منه مواطنا صالحا وفاعلا ومبدعا. بمعنى أن الحياة المدرسية تهدف إلى خلق مؤسسة تعليمية "مفعمة بالحياة، بفضل نهج تربوي نشيط، يجاوز التلقي السلبي والعمل الفردي إلى اعتماد التعلم الذاتي، والقدرة على الحوار والمشاركة في الاجتهاد الجماعي؛ ومفتوحة على محيطها بفضل نهج تربوي قوامه استحضار المجتمع في قلب المدرسة، والخروج إليه منها بكل ما يعود بالنفع على الوطن، مما يتطلب نسج علاقات جديدة بين المدرسة وفضائها البيئي والمجتمعي والثقافي والاقتصادي."
ويتبين لنا، مماسبق ذكره، أن الحياة المدرسية تقوم على عدة مرتكزات أساسية وجوهرية، كارتباطها بالحياة والمحيط ملاءمة وتكيفا وتوازنا؛ واعتماد طرائق التنشيط الفعالة للقضاء على نزعة العدوان والشغب والعنف لدى التلميذ؛ والابتعاد عن التلقي السلبي؛ والتركيز على التعلم الكيفي والكفائي الهادف؛ والميل نحو المغامرة والاستكشاف والإبداع والتجريب؛ والاشتغال في فرق وجماعات تربوية؛ وتشجيع التعلم الذاتي في ضوء البيداغوجيا الكفائية أو البيداغوجيا اللاتوجيهية أو البيداغوجيا المؤسساتية؛ واحترام المتعلم وتقديره وتكريمه؛ وتعريفه بحرياته وحقوقه وواجباته؛ وحث المتعلم على خلق شراكات داخلية وخارجية، بإشراف المدرسين ورجال الإدارة أو غيرهم...
كما تهدف الحياة المدرسية - حسب الدليل- إلى استخدام العقل والفكر والمنطق في الحوار والجدال مع الآخرين؛ واكتساب قدرات الفهم والمعرفة والتحليل والتركيب والتطبيق والنقد والتقويم؛ مع احترام آراء الآخرين، ومحاولة إقناعهم بالدليل والحجة والبينة؛ والإيمان بالديمقراطية نهجا وتصورا وتمثلا، والعمل على تكريس حداثتها تصورا وسلوكا وتطبيقا. وتهدف هذه الحياة المدرسية أيضا إلى مراعاة نمو المتعلم عضويا وذهنيا ونفسيا ووجدانيا وحسيا - حركيا، بخلق نوع من التوازن بين هذه الجوانب كلها. علاوة على تنمية القدرات الكفائية لدى التلاميذ، سواء أكانت أساسية أم نوعية أم مستعرضة؛ وتشجيعه على بناء المشاريع الجماعية أو الخاصة به؛ مع غرس القيم الإيجابية في نفسية التلاميذ، وتزويدهم بالقيم الفضلى والأخلاق الحسنة، وحب الآخرين، وتمثل فلسفة التسامح والعفو والتفاهم، والابتعاد عن الكراهية والإقصاء والتغريب وكل أنواع التمييز. ويعني هذا كله أن يعيش التلميذ حياة سعيدة داخل المؤسسة التعليمية، في ظل نهج تربوي سليم ديمقراطي وحقوقي وحداثي قائم على التنشيط والعمل والترفيه والتسلية والفائدة، والمساهمة في الأنشطة التي تقررها المؤسسة، وحقه في أن يستمتع المتعلم بطفولته ومراهقته وشبابه في أجواء دراسية مفعمة بالسعادة والنشاط والعمل البناء المثمر.
لذا، لابد أن ينصب الاهتمام على المتعلم ذاته، و تعمل المؤسسة على تحرير طاقاته الإبداعية، وصقل معارفه ومواهبه، والإنصات إلى حاجياته وميوله وأهوائه. أضف إلى ذلك، لابد أن تكون المدرسة مؤسسة مجهزة زاهية بفضائها الجميل والسعيد والجذاب والمريح نفسيا ووجدانيا؛ مع تنشيط المؤسسة ثقافيا وعلميا ورياضيا وفنيا وإعلاميا...؛ فضلا عن تمثل المقاربة التشاركية، وتطبيق مقاربتي الجودة والتقييم، واعتماد التدبير بالنتائج، والاستعانة بالتدبير بالمشاريع.
وعليه، ترتكز الحياة المدرسية على مجموعة من المقومات الأساسية تتمثل في مايلي:
الحياة المدرسية هي فضاء المواطنة والديمقراطية وحقوق الإنسان.
هي مدرسة السعادة والأمان والتحرر والإبداع، وتأسيس مجتمع إنساني حقيقي تتفاعل فيه جميع العلاقات والمهارات.
هي مؤسسة تعليمية تستثمر بيداغوجيا الكفايات والمجزوءات لتأهيل المتعلمين الأكفاء الماهرين.
تحقيق الجودة بإرساء الشراكة الحقيقية، وإرساء فلسفة المشاريع.
التركيز على المتعلم باعتباره القطب الأساس في العملية البيداغوجية، بتحفيزه معرفيا ووجدانيا وحركيا وتنشيطيا.
انفتاح المؤسسة على محيطها الاجتماعي والثقافي والاقتصادي.
المدرسة مجتمع مصغر من العلاقات الإنسانية والتفاعلات الإيجابية.
تنشيط المؤسسة ثقافيا وعلميا ورياضيا وفنيا وإعلاميا، وتسخير فضاء المؤسسة لصالح التلميذ بتنظيفها وتزيينها وتجميلها.
تجاوز مدرسة البيروقراطية الإدارية والتربوية نحو مدرسة التحرر والإبداع والتنشيط.
تغيير الاستعمالات الزمنية الإدارية الأحادية بسياقات زمنية منفتحة على ماهو معرفي وتنشيطي ورياضي. أي: إن استعمال الزمن هو الذي يراعي الحصص المعرفية، وحصص التنشيط، وحصص التربية الرياضية.
تغيير الفضاءات المدرسية المنغلقة التي توحي بالروتين والعدائية والتطرف بفضاءات مدرسية أكثر انفتاحا، قوامها التحرر والإبداع والتعلم الذاتي، والإحساس بالجمال والنظام والتشكيل الجمالي والبيئي.
إقامة علاقات إيجابية بين المتعلم وأطراف النسق الإداري والتربوي، على أساس الاحترام والحوار و المساواة والأخوة والعدالة والإصغاء، وتحفيز روح المبادرة والتعاون التشاركي.
وثمة مجموعة من العوامل التي تتحكم في الحياة المدرسية، وتتمثل في الفضاء المدرسي؛ و الزمن المدرسي، وقواعد تنظيم حياة جماعية داخل المؤسسة التعليمية؛ والعلاقات الاجتماعية و العاطفية بين أعضاء المجتمع التربوي؛ و المرجعيات التربوية لتنشيط المؤسسات التعليمية؛ والمناخ المدرسي و أشكال التواصل الثقافي و المهني؛ و الصحة المدرسية؛ والعلاقات مع المحيطين الداخلي و الخارجي.
وعليه، تنبني الحياة المدرسية على مجموعة من المقومات والركائز الأساسية التي تنحصر في:
الأطراف المساهمة في تدبير الحياة المدرسية وتفعيلها وتنشيطها، سواء أكانت داخلية أم خارجية (المدرسون، والمتعلمون، ورجال الإدارة، والمشرفون التربويون، وجمعيات الآباء، والجماعات المحلية، والشركاء الاقتصاديون، والشركاء الأجانب، والمجتمع المدني...).
مجالس المؤسسة بمختلف أشكالها وأنواعها ووظائفها وأدوارها (المجلس التربوي، والمجلس التعليمي، ومجالس الأقسام، ومجلس التدبير...).
النوادي والمنتديات والجمعيات التي تساهم في إغناء الحياة المدرسية وتدبيرها وتفعيلها وتنشيطها.
خلق مشاريع المؤسسة لتطوير الحياة المدرسية وتجويدها وتدبيرها وتفعيلها بشكل إيجابي.
خلق شراكات داخلية وخارجية لإغناء الحياة المدرسية وترقيتها، والرفع من مستواها التربوي والنفسي والاجتماعي.
الاهتمام بالأنشطة المدرسية وتدبيرها من أجل تحسين جودة التعلم والرقي به.
تدبير الإيقاعات المدرسية وفضاءات المؤسسة التعليمية.
تعزيز التواصل اللفظي وغير اللفظي، والأخذ بمبدإ التفاعل الاجتماعي لخلق حياة مدرسية سعيدة.
من كتاب " تدبير الحياة المدرسية " للدكتور جميل حمداوي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق